في باحة المستشفى الجمهوري بتعز، جوار بوابة مركز العزل العلاجي، ينتظر مرافقو المصابين بكورونا، يكتسي وجوههم قلق دائم حول ذلك المصير المجهول لأقربائهم الممددين بالداخل على أسِرّة المركز، على أمل أن تمنحهم أسطوانات الأكسجين أكبر قدر من دقائق الحياة..
بالقرب، يجلس رجل خمسيني بكمامة سماوية، يبدو على عينيه الذابلتين إرهاق مشوب باليأس والإحباط، بعد أن تقطعت به السُبُل بحثًا عن سرير فارغ بإنبوبة أكسجين تنقذ حياة قريبه المصاب بالفيروس..
"أنا هنا منذ مدة، أحاول الحصول على موافقة لنقل قريبي المصاب بكورونا من قسم الطوارئ إلى مركز العزل، ليحصل على تنفس اصطناعي.."، قال الرجل بصوت متحشرج، قبل أن يتحول صوته إلى نشيج، وهو يضيف: "ولكن، لا أحد هنا يستجيب لنا.."..!! بكى كطفل في الخامسة: "يقولون لنا أن المركز ممتلئ، ولا توجد لديهم أجهزة تنفس أصطناعي فارغة"
كورونا والأكسجين
شهدت محافظة تعز، خلال الفترة الماضية، أزمة حادة في توفّر مادة الاكسجين، في الوقت الذي تواصلت فيه أعداد الإصابات بفيروس كورونا بالإرتفاع، ضمن الموجة الجديدة منه (منذ فبراير/ شباط)، لتصل الى 1,136 حالة وفقا للإحصائيات الرسمية (حتى 24 أبريل/ نيسان، فقط)، بينها 187 حالة وفاة، خلال الفترة نفسها.
وتفيد معلومات حصل عليها "يمن شباب نت" من مصادر طبية متعددة، أن لنقص مادة الأكسجين، وعدم توفره بكميات مناسبة؛ أو لإخطاء واختلالات في معايير الضغط ومعدل النقاوة؛ دورا في وفاة مصابين بكورونا، سواء داخل مركز العزل العلاجي بالمستشفى الجمهوري، أم في المنازل التي يستخدم فيها المصابون الأكسجين.
وأكد مصدر طبي بمركز العزل العلاجي بالمستشفى الجمهوري، أن ست حالات مصابة بالفيروس، توفت يوم الخميس، الموافق 1 أبريل/ نيسان، داخل مركز العزل العلاجي، "في ظرف أقل من ساعة فقط، تقريبا"..!!
وأعتبر المصدر هذا الرقم "مخيفًا"؛ بالنظر إلى الزمن القياسي الذي توفت فيه تلك الحالات (خلال أقل من ساعة زمنية واحدة، تقريبا)، والظروف المحيطة التي ترافقت معها، خصوصا وأن ذلك تسبب في خلق حالة من الرعب في الوسط الطبي داخل مركز العزل، رافقه هلع ملحوظ بين المرضى ومرافقيهم..!!
وأضاف المصدر، الذي تحدث مع "يمن شباب نت"، شريطة عدم الإفصاح عن هويته، أنه في اليوم التالي (الجمعة الموافق 2 أبريل/ نيسان)، توفت ثلاث حالات في توقيت متقارب، الفارق بينها دقائق قليلة فقط.
وأرجع المصدر السبب؛ إلى النقص في كمية الأكسجين داخل المركز، بدرجة رئيسة..!!، بينما ثمة شكوك لدى مصادر أخرى، ترجح استخدام أكسجين "مضروب"، أو به "عيوب مصنعية"، تم شراؤه من أحد التجار بالمحافظة، بعد تأخر وصول الشحنة المخصصة من عدن، لمركز العزل العلاجي بالمستشفى الجمهوري بتعز- (سنفرد لهذه المشكلة محورا خاصا في ثنايا التحقيق)
وبإعتبار أن العلاج الأهم- الذي يفترض أن يقدمه مركز العزل للمصابين بكورونا، هو توفير مادة الأكسجين بدرجة أولى، ضمن مهامه الرئيسة في توفير الرعاية الطبية لمرضى العزل- فقد ألقت تلك الحوادث بظلالها على ما حدث/ ويحدث داخل مركز العزل العلاجي، ومدى قدراته وكفاءة موظفيه، في الوقت الذي تسلط فيه الضوء أكثر على حجم مشكلة نقص مادة الأكسجين الطبي، وكل ما يحيط بها من تفاصيل هامة وحيوية!!
في هذا التحقيق الاستقصائي، يكشف "يمن شباب نت"، بالأرقام، عن حجم أزمة نقص الأكسجين في محافظة تعز، وتأثيرها على عملية الإنقاذ من فيروس كورونا. وفي خضم ذلك، تكشفت لنا بعض الأخطاء التي رافقت هذه الأزمة، بما في ذلك أخطاء تتعلق بنوعية مادة الأكسجين نفسه، والمعايير والمواصفات اللازمة لاستخدامه، وكذا كفاءة استخدامه داخل مركز العزل، بما قد يكون تسبب في وفاة مصابين أثناء تلقيهم العلاج والعناية الصحية..!!
أزمة الأكسجين بتعز.. أرقام
وقبل الغوص في الأخطاء، سنبدأ أولا بتناول أزمة الأكسجين نفسها بالمحافظة، وحجمها بالأرقام التفصيلية..
توجد في تعز محطتين رسميتين لتعبئة الأكسجين، قدرة كل منهما تصل إلى تعبئة 100 اسطوانة يوميا، أي بإجمالي 200 اسطوانة/ يوم. بحسب المعلومات التي حصل "يمن شباب نت" من مسئولين في المحطتين.
والمحطتان، أنشأتا بتمويل خارجي؛ الاولى أنشأت في مستشفى التعاون على نفقة الهلال الأحمر القطري؛ والثانية أنشأت في مستشفى الثورة على نفقة مركز الملك سلمان للاعمال الانسانية. واستحدثت المحطتان خلال فترة الحرب ما بين عامي 2017 و 2018، بسبب حصار مليشيا الحوثي المفروض على المدينة منذ العام 2015، والذي أسفر عن وفاة العشرات من جرحى القصف العشوائي، ومنع الحوثيين إدخال اسطوانات الأكسجين من منطقة الحوبان شرقي المدينة، حيث تتواجد محطات انتاج الاكسجين.
ومع تفشي الموجة الثانية من جائحة كورونا، أصدر محافظ المحافظة نبيل شمسان قراراً قضى بتكليف مدير المستشفى الجمهوري، الدكتور نشوان الحسامي، مديراً لمراكز العزل ومحطات الأكسجين في المحافظة، غير أن الدكتور عبدالرحيم السامعي- القائم بأعمال رئيس هيئة مستشفى الثورة العام- رفض قرار المحافظ فيما يخص إدارة محطة الثورة..!!
وللإطلاع على حالة مراكز العزل ومحطات تعبئة الأكسجين، التقى "يمن شباب نت" بالدكتور نشوان الحسامي، الذي أفادنا- بداية- أن مركز العزل العلاجي بالمستشفى، كان يحصل على تعبئة 60 اسطوانة فقط، يوميا، من إجمالي ما تنتجه المحطتان الرسميتان يوميا.
إلا أنه، عاد وأكد لنا أن محطة التعاون كانت تزود المركز، بداية الموجة الثانية، بكميات تتراوح مابين 60 الى 70 إسطوانة في اليوم الواحد، غير أنها قلصت ذلك العدد، لاحقا، الى عشرين اسطوانة فقط.
وأضاف: ومؤخرا أوقفت المحطة التعبئة للمركز، بسبب عدم سداد السلطة المحلية، ولجنة الطوارئ للمديونية التي وصلت الى 9 مليون ريال.
ويحتوي مركز العزل العلاجي بالمستشفى الجمهوري، على 36 سريرا، تمتلئ جميعها بالمصابين بشكل يومي، وجميعها بحاجة لمادة الأكسجين على مدار الدقيقة..
وبحسب الدكتور الحسامي، مدير المستشفى، تتنوع احتيجات المرضى لكميات الأكسجين بحسب نوعية حالاتهم، فالمصابين الذين سأت حالاتهم ودخلوا في جهاز التنفس الصناعي، يستخدم كل واحد منهم 12 اسطوانة اكسجين في اليوم الواحد- أي بمعدل اسطوانة لكل ساعتين، بينما هناك مصابين حالتهم أقل خطورة، يستهلك كل واحد منهم ثمان اسطوانات أكسجين يوميا..
ولم يوضح المدير، العدد التفصيلي لكل نوع من المرضى، وفقا لأحتياجاتهم للأكسجين. لكن مصدر في مركز العزل أكد لنا أن المركز يستهلك يوميا ما بين 300 إلى 350 أسطوانة يوميا.
تغطية خارجية
وأشار الدكتور الحسامي إلى أن المركز، وبسبب تفشي فيروس كورونا، لجأ إلى استقدام إسطوانات الأكسجين من محافظة عدن، بواقع 300 اسطوانة كل يومين، لكن وبسبب الضغط على محطة عدن، قلصت المحطة الكمية إلى النصف، إي 150 أسطوانة فقط..
وأضاف: عندها لجأنا إلى تعويض هذا النقص من محافظة مأرب، التي تمدنا بـ 150 أسطوانة كل ثلاثة أيام. إلى جانب 100 اسطوانة تكفلت بها، مؤخرا، بيت هائل سعيد، وتستقدم من محطة التعبئة بمنطقة الحوبان- شرق مدينة تعز.
ونوه المدير إلى أن هذا التغيير الإضطراري يكلف المركز ثمنا باهضا بسبب تكاليف النقل البعيدة، إلى جانب بعد المسافة، بحيث تصل إلى ثلاثة أيام، بدلا عن يومين من عدن. وهذا- كما يشير: يعرض حياة المرضى للخطر.
وتفيد معلومات متداولة، نشرت في وقت سابق على مواقع أخبارية ومنصات التواصل الإجتماعي، بتعرض تلك الشاحنات للتقطع من قبل نقاط تفتيش تابعة لمليشيا المجلس الانتقالي (المدعوم اماراتيا)، التي تقوم بين الحين والأخر، بعرقلة حركة الشاحنات، ويتعرض سائقيها للتحقيق.
حاليا، وبعد الأزمة المستفحلة مؤخرا، مع تفشي كورونا على نطاق واسع، أصبح مركز العزل العلاجي بالمدينة يمتلك 970 اسطوانة اكسجين، ما بين كبيرة ومتوسطة وصغيرة، وهذا انجاز يحسب لإدارة المستشفى الجمهوري ومكتب الصحة بالمحافظة، وفقا لما أكده مدير عام المكتب الدكتور راجح المليكي لـ"يمن شباب نت".
للتنويه، هنا، فإن هذا العدد يعتبر من أصول (أملاك) مركز العزل، لمواجهة الحاجة الماسة للأكسجين، بحيث أنه في الوقت الذي تكون نصفها- مثلا- تحت الإستخدام، تذهب البقية إلى المحطات للتعبئة، وهكذا يتم التناوب بينها.
أسعار.. وسوق سوداء
مع تفشي فيروس كورونا، في موجته الثانية (بدء من فبراير/ شباط الماضي)، وبالنظر إلى طبيعة هذه الموجة الأكثر انتشارا وفتكا، وبالتالي: ارتفاع حالات الوفاة؛ أدى ذلك إلى اعتماد الناس على أنفسهم في العناية بمرضاهم داخل منازلهم، بما في ذلك شراء اسطوانات أكسجين وتعبئتها لمواجهة الإحتياج الماس لهذه المادة..
في الواقع، شكل ذلك، أحد أسباب نقص الأكسجين في محافظة تعز، وتشكلت ما يمكن أن توصف أنها "سوق سوداء"، للمتاجرة بهذه المادة.
وفي لقاء مع المهندس تامر القدسي، مهندس بمحطة التعاون لتعبئة الأكسجين، أكد أن المحطة تنتج يوميا ما بين 100 و 120 أسطوانة أكسجين، يتم توزيعها/ بيعها، ما بين المستشفيات الحكومية والمستشفيات الخاصة، ومستفيدين آخرين..
وبخصوص الأسعار أوضح القدسي لـ"يمن شباب نت"، أن المحطة أعتمدت أسعار متفاوتة لتعبئة اسطوانات الأكسجين في مدينة تعز، وذلك وفقا لعدد من المعاير المحددة..
وقال إن أسعار تعبئة الاكسجين لأسطوانة عبوة 40 لتر، تتفاوت ما بين 3,000 ريال فقط، للحالات المرضية؛ و5,000 ريال للمستشفيات؛ و6,000 ريال للجهات الأخرى..
وللتوضيح أكثر، حسب المهندس القدسي، يقصد بالحالات المرضية: المصابين بفيروس كورونا، وتصرف لهم بموجب تقرير رسمي معتمد يؤكد وجود الإصابة. أما الحالات المرضية الأخرى، فهم أولئك الذين يحتاجون الأكسجين لمشاكل مرضية أخرى، مثل: "الربو"، وغيره من الأمراض، التي تحتاج للأكسجين. وهؤلاء أيضا- وفقا للقدسي- يباع لهم الأكسجين (تعبئة)، بموجب تقرير طبي رسمي معتمد.. وهذه الحالات يتم تعبئة الأكسجين لها بسعر 3000 ريال.
وبالنسبة للمستشفيات العامة والخاصة، يؤكد، أن أسعار التعبئة لها أرتفعت إلى 5,000 ريال، بسبب أرتفاع أسعار الديزل. أما الجهات الأخرى، التي يتم بيع الأكسجين لها بسعر 6,000 ريال، فتشمل: التجار، الورش، المعامل، عيادات الإسنان، العيادات الأخرى التي تستخدمه، وأصحاب الذهب..، وغيرهم من المستفيدين من هذه المادة..
وأكد المهندس القدسي، أن هذه المبالغ التي تستفيد منها المحطة، تصرف كمرتبات للعمال، ولمواجهة نفقات التشغيل، بما في ذلك شراء مادة الديزل.
وتعد هذه الأسعار مدعومة بشكل كبير جدا، حيث وأن أسعار تعبئة أسطوانة الأكسجين (عبوة 40 لتر)، وصل الى 18 ألف ريال، في السوق، وفقا للقدسي، الذي أعتبر ذلك استغلالا لمعاناة المرضى، ومتاجرة بحياة المواطنيين، لا سيما في ظل غياب الرقابة الرسمية..!!
وبالنسبة لأسعار الأسطوانات، فقد ارتفعت هي الأخرى، بسبب الجائحة والأزمة، إلى أسعار خيالية، تصل إلى أكثر من الضعف، أحيانا.
فبحسب المهندس القدسي، كانت أسطوانة الأكسجين الفارغة (سعة 40 لتر)، تباع سابقا بسعر 90 دولار، ومع كورونا أرتفعت إلى 200 دولار، وأكثر من ذلك أحيانا. بينما الأسطوانة (سعة 20 لتر)، ارتفع سعر بيعها من ما يعادل 60 دولارا، إلى الضعف تقريبا (أي: 120 دولار). والأسطوانة الأصغر (سعة 10 لتر)، التي كانت تباع بسعر 30 دولار (تقريبا)، وصل سعرها اليوم إلى 80 دولار (تقريبا)..
أكسجين "مضروب"
ومع ذلك، لا يمكن الوثوق دائما، بالأكسجين الذي يتم تعبئته- أو شراءه- من خارج المحطات الرسمية المعتمدة، أو حتى- أحيانا- بإسطوانات الأكسجين نفسها. وقد تكشفت لـ"يمن شباب نت" تفاصيل كثيرة (غير مرئية) في هذا الجانب، بعضها تصل إلى درجة "تشكيل خطورة" على حياة المرضى..
وللتوضيح أكثر، دعونا نعود إلى تفاصيل ما حدث يوم الجمعة (2 أبريل/ نيسان). وهو اليوم الذي توَفّت فيه ثلاث حالات على الأقل "خلال دقائق متقاربة"، حسب ما أكدته لـ"يمن شباب نت" مصادر طبية خاصة في مركز العزل..
وأفادت المصادر، التي تحدثت لـ"يمن شباب نت" شريطة الاحتفاظ بهويتها، أنه في ذلك اليوم: "حدث ارتباك داخل مركز العزل العلاجي بالمستشفى الجمهوري، نتيجة تأخر وصول اسطوانات الأكسجين، المخصصة من عدن، إلى المركز بتعز"..!!
وأضافت: وحين تأخرت شحنة الأكسجين عن الوصول في موعدها، استقدمت كمية من محطتي التعاون والثورة، لكنها لم تكن كافية، بينما عجزت المحطتان عن تزويد المركز بكميات إضافية أخرى، فلجأ المركز حينها إلى شراء عدد 12 أسطوانة أكسجين من أحد التجار بتعز، لمواجهة أزمة نقص الأكسجين بشكل طارئ.
وتابعت: "لكن حين تم تركيب إحدى تلك الإسطوانات لأحد المصابين، سببت له اختناقا مفاجئا، ما أثار ربكة داخل مركز العزل". ومع الكثير من التساؤلات عن السبب؟!، حاول بعض المختصين معرفة ما بداخل تلك الاسطوانات عن طريق تعريض سيجارة مشتعلة للغاز الخارج من الأسطوانة..
وهنا، كانت المفاجأة: لم يُحدِث الغاز، الخارج من الاسطوانة، أي إشتعال؛ بل كان يعمل على إخماد جمرة السيجارة المشتعلة..!! ما جعلهم يشكون من أن تلك الإسطوانة تحتوي فعلا على غاز الأكسجين (الذي يفترض أنه يساعد على الأشتعال). وهذا قد يعني أن تلك الأسطوانات ربما تكون مغشوشة، أو يوجد بها عيب ما..!!
(شاهد الفيديو المرفق أدناه، الذي حصل عليه "يمن شباب نت"، من مصادر خاصة، ويوضح تجربتين؛ الأولى: تعريض جمرة السيجارة لغاز أكسجين من اسطوانة سليمة، حيث يمكن ملاحظة كيف أنه يساعد على اشتعال السيجارة؛ تليها مباشرة تجربة للأكسجين المضروب، ويلاحظ أنه يعمل على إخماد جمرة السيجارة).
إفادات جديدة "مختلفة"
خلال البحث في هذه القضية، حصل "يمن شباب نت" على أسماء تاجرين يتعامل معهما مركز العزل العلاجي في شراء أسطوانات جاهزة للإستخدام (معبأة بالأكسجين)؛ أحدهما مركزه الرئيسي في مدينة التربة (جنوبي غرب تعز)، والأخر في مدينة تعز..
(ملاحظة: قرر قسم التحقيقات في "يمن شباب نت" الإحتفاظ باسمي التاجرين، بعد حصوله على معلومات جديدة أثناء مواصلة البحث لإستكمال هذا التحقيق)..
وتفيد المعلومات، التي حصلنا عليها، لاحقا، نتيجة تواصلنا مع مصادر طبية أخرى بمركز العزل حول هذا الأمر: أن تلك الإسطوانات الـ12 المشتراة من التاجر، خضعت لاحقا لفحص معملي دقيق، وثبت أنها كانت جميعها سليمة، "عدى اسطوانة واحدة فقط"، قيل إنها "ربما كانت مضروبة، أو بها خلل مصنعي"..!!
ملاحظات وتساؤلات
ومع ذلك، دعونا نقارن تلك الإفادات الجديدة، بتلك التي كنا قد حصلنا عليه سابقا- في بداية شروعنا في هذا التحقيق الأستقصائي..
تقول الإفادات الأولية: إنه ما بين الساعة العاشرة والحادية عشر من يوم الجمعة (2 أبريل)، عاش مركز العزل العلاجي حالة طوارئ بسبب تأخر وصول شاحنة الأكسجين القادمة من عدن. حينها لجأ المركز الى أحد التجار بتعز، لتزويد المركز بعدد من إسطوانات الأكسجين لإنقاذ المصابين؛ غير أن تلك الاسطوانات سببت الإختناق لأحد المصابين بعد تركيبها له..!!
ومن بين مصادرنا، من أفاد أن عمليات الإختناق تكررت في أكثر من حالة، وليس على حالة واحدة فقط..!! لذلك سرعان ما حذر الطاقم الطبي من استخدامها..!!
وتؤكد هذه الرواية: وفاة ثلاث حالات خلال دقائق متقاربة، بعد وصول اسطوانات الأكسجين الإسعافية (المشتراة من التاجر)..!!
وذكر بيان صادر عن "اللجنة الوطنية العليا لمواجهة وباء كورونا" مساء ذلك اليوم، وفاة أربع حالات. وهو ما تأكد منه "يمن شباب نت"، من الكشوفات اليومية الخاصة بمركز العزل العلاجي، التي حصلنا عليها من مصادرنا الخاصة. وتضمنت أسماء الوفيات الأربعة لهذا اليوم، بينها أسم الزميل الصحفي عبد القوى العزاني- نائب مدير الأخبار في قناة يمن شباب- الذي توفى قبل ظهر اليوم نفسه، بعد يومين فقط من دخوله المركز..
غير أن مواصلة البحث في القضية، قادنا إلى معلومات تؤكد أن ذلك اليوم كان هو الأكثر تشييعا للضحايا في تعز، حيث ازدحمت مقبرة الشهداء في منطقة عصيفرة، شمالي المدينة بجنازات الوفيات، بسبب جائحة كورونا..!!
وكشفت لنا مصادر، تعمل في حفر القبور هناك، أن عدد الحالات التي استقبلتها في ذلك اليوم فقط، وصلت إلى 16 حالة، كلها توفت بسبب كورونا، "كما قيل لها"، مؤكدة أن عمليات الدفن استمرت في ذلك اليوم حتى الساعة الحادي عشرة ليلا..!!
وبالعودة إلى كشوفات المركز، وجدنا أن سبع حالات توفت في اليوم السابق (1 أبريل)، ما يجعلنا نرجح فرضية أن الزيادة في أعداد الجثث، التي دفنت في اليوم التالي (2 أبريل)، قد تعود معظمها إلى وفيات اليوم السابق. (وحتى مع أن إجمالي العدد، لوفيات اليومين، سيصل فقط إلى 11، وفقا للكشوفات الرسمية؛ إلا أن البحث في معرفة: من أين جاءت الجثث الزائدة عن الوفيات المعلنة رسميا، قد لا يشكل مشكلة جوهرية، خصوصا وأن كثير من الناس يموتون في منازلهم..!!)
لذلك، دعونا نحسن الظن، ونتوقف عند الرواية الرسمية التي تؤكد وفاة أربع حالات فقط، هي تلك التي توفت ذلك اليوم داخل مركز العزل العلاجي بالمستشفى الجمهوري، بحسب ما تثبته الكشوفات الرسمية..
وبالتالي؛ أخذا في الإعتبار الرواية التي حصلنا عليها من مصادر طبية داخل مركز العزل، بوفاة ثلاث حالات خلال دقائق متقاربة، في ذلك اليوم الذي تم فيه شراء اسطوانات أكسجين اسعافية من أحد التجار، بعد تأخر وصول شحنة الأكسجين المخصصة للمركز من عدن؛ فقد يحق لنا هنا التساؤل: ما إذا كان للأمر علاقة بنوعية الأكسجين البديل، المستخدم للمرضى..؟!
وللخروج من هذه الدائرة، نضع هذا التساؤل بين يدي كل من: السلطة المحلية، ومكتب الصحة بالمحافظة، واللجنة الوطنية العليا لمواجهة وباء كورونا؛ للبحث في إجابته، من باب تحمل مسئوليتها إزاء هذه الإختلالات، إن تأكد ثبوتها فعلا؟
أخطاء أكسجينية
وعلى أية حال؛ دعونا- هنا أيضا- نعتمد تلك الرواية الأخرى، الملحقة، التي أكدت سلامة الأسطوانات التجارية المشتراة من التاجر، كإجراء اسعافي، نتيجة تأخر وصول شحنة عدن، المخصصة للمركز، في ذلك اليوم..
في الواقع، تؤكد هذه الرواية أن اسطوانة واحدة فقط، من بين الإسطوانات الـ12 الإسعافية (المشتراة من التاجر)، ثبت عدم صلاحيتها للإستخدام. وقد تكون هذه الحالة عرضية، خصوصا وأننا لم نجد من يؤكد لنا وجود حالات مشابهة، قد تكون ظهرت في أوقات سابقة.
ومع ذلك، فقد استدعتنا هذه الحالة الواحدة، "المثبتة"، التوقف جديا أمامها، والبحث في تفاصيلها، والتحول- بدلا من ذلك- إلى معرفة مشاكل الأكسجين الطبي المستخدم للمرضى، وهو ما حصلنا عليه من خلال عرض الأمر على عدد من المختصين، بينهم: أطباء، ومهندسين، وتجار أجهزة طبية..
وأكدت أحد المصادر الطبية المتخصصة في هذا المجال، من التي تحدثت لـ"يمن شباب نت"، وجود أخطاء مصنعية، مشيرة إلى أن بعضها بسيطة وغير مؤثرة، أو ذات تأثيرات بسيطة ويمكن تداركها ومعالجتها، بينما أن هناك أخطاء مؤثرة وخطيرة جدا، ولا يمكن السكوت عنها أو التساهل معها..
وأوضح المصدر أهم تلك الأخطاء المصنعية: كحدوث نقص في ضغط الأكسجين داخل الأسطوانة، أو في قلة نقاوة مادة الأكسجين داخلها؛ وذلك من شأنه أن يشكل خطرا على المريض، ويتسبب في تدهور حالته، وقد يصل الأمر إلى الوفاة..
محطات محلية غير رسمية
وفي السياق، كشف المصدر عن وجود دخلاء على هذه المهنة، نتيجة ما فرضته جائحة كورونا من حاجة ماسة للأكسجين الطبي للعلاج، خصوصا مع وجود نقص وأزمة في توفيره بالمحافظة بسبب الحصار المفروض عليها من قبل الحوثيين للعام السابع على التوالي..
وحذر المصدر من أن هؤلاء الدخلاء الجدد على المهنة، المستمثرين للأزمة: "لا يتورعون عن عمل أي شيء لإستغلال هذا الظرف من أجل الإثراء، بما في ذلك الغش في الأكسجين"، مشيرا إلى ما يسمعه في هذا الجانب؛ من وجود محطات محلية بديلة، مخترعة محليا من أدوات وأجهزة بسيطة، لصناعة الأكسجين دون المعايير الطبية المعروفة..!!
ومع أنه نوه إلى أنه غير متأكد من صحة ذلك، وأنها "مجرد معلومات قد لا تكون صحيحة بالضرورة"، إلا أنه حذر من التعامل مع أي جهات غير معتمدة رسميا في هذا الجانب. وطالب السلطات المحلية والصحية بالاستقصاء والبحث لمعرفة الحقيقة، كون ذلك يشكل خطرا كبيرا على حياة المرضى.
مصدر طبي أخر، لم يستبعد وجود تجار يقومون بتعبئة اسطوانات الأكسجين من محطات محلية، تم تركيبها من مواد أولية بسيطة، لتعبئة الإسطوانات بغاز الأكسجين الطبي، خصوصا مع زيادة الطلب مؤخرا على الأكسجين، مضيفا: "وهي بالتأكيد لن تكون بكفاءة المحطات الرسمية، المُصَنّعة دوليا، والمستوردة خصيصا لهذا الغرض..".
وأوضح أن الأكسجين الطبي، الذي تقوم بتصنيعه مثل تلك المحطات "السرية" غير المعتمدة، لا يمكن أن يصل إلى المعايير والمواصفات الطبية المطلوبة، محذرا من أن الأكسجين المُصَنّع عن طريق هذه الأجهزة محلية الصنع، سيكون من الخطأ اختباره على حالات مرضية، فذلك يعد أمرا بالغ الخطورة، كون الأكسجين الطبي المطلوب يجب أن يكون بمواصفات ومعايير طبية عالية ومحددة بدقة.
الضغط ونقاوة الأكسجين
ما هي الأخطاء الكبيرة، التي قد يقع فيها البعض عند تعبئة اسطوانات الأكسجين؟! عرضنا هذا السؤال على عدد من المصادر الطبية التي تحدثنا إليها، وحصلنا على إجابات شبه متطابقة، أنها تلك التي تتعلق بـ"نسبة الضغط" داخل الأسطوانة، أو "نقص معدل نقاوة الأكسجين عن 90%"..
وفي هذا الجانب، أوضح المهندس تامر القدسي- يعمل في محطة الأكسجين بمستشفى التعاون- أن اسطوانة الاكسجين، سعة 40 لتر، حين يتم تعبأتها بشكل كامل، فان قوة ضغط الرطل يجب أن تظهر في الجهاز عند الرقم 150 بار (Bar). أي ما يعادل 2000 بوصة (Psi) في وحدة القياس الانجليزية.
وأضاف القدسي، ضمن حديثه مع "يمن شباب نت"، أن نقاوة الأكسجين تعتمد على عمر مولد الأكسجين الخاص بالمحطة، حيث أنه كلما كان مولد الأكسجين جديد، كلما كانت نقاوة الأكسجين كبيرة، مشيرا الى أن مولد الأكسجين هو أغلى قطعه داخل المحطة.
وعليه، ينوه القدسي الى أن مصانع الأكسجين التي تقوم بتعبئة الاسطوانات بنقاوة منخفضه، فهو: إما قد يكون متعمدًا من أجل زيادة المبيعات، أو خارج إرادة المحطة نتيجة انتهاء العمر الافتراضي لجهاز توليد الأكسجين.
وعن مخاطر نقصان نقاوة الأكسجين عن المعدل 90%، قال القدسي إنه قد يسبب اختناقا للمريض الذي يستخدم هذه الاسطوانات، "وهو أمر خطير" كما يقول، مستدركا "ولابد من أن يتحلى القائمون على المحطات والعاملين بها بالأمانة، والتركيز على أن كل شئ مضبوط حفاظا على أرواح المرضى، لا سيما المصابين بفيروس كورونا"
وأفاد أحد مصادرنا الطبية، في مركز العزل العلاجي، أن نقاوة الأكسجين التي تصلهم تكون أحيانا منخفضة، وتصل أحيانا إلى ما بين 60 – 80% فقط..!!، مضيفا: وهذا يسبب كتمة للمريض.
أضف إلى ذلك، حسب تأكيدات المهندس القدسي: أن الحالات التي تعطى أكسجين ذو نقاوة منخفضة "تستهلك إسطوانات أكسجين أكثر" من المعدل الطبيعي..!!.
وقال مصدر طبي بمركز العزل لـ"يمن شباب نت"، إن هذه الأمور كانت في السابق تخضع لرقابة: "كنا لا نستلم إسطوانات الأكسجين إلا بعد اعتمادها رسميا بمذكرة مختومة من هيئة المقاييس والجودة"، مضيفا: "لكن حاليا لم تعد هناك رقابة"..!!
أسطوانات مغشوشة
لا تتعلق الأخطاء/ المشاكل/ الغش/ بنوعية الأكسجين، ومعايير تعبئته، فحسب؛ بل هناك غش أخر، له علاقة بإسطوانات الأكسجين نفسها أيضا..
وفي هذا الجانب، تحدث لـ"يمن شباب نت"، مصدر طبي تجاري- له علاقة إدارية بشركة تبيع أجهزة طبية بصنعاء، بينها اسطوانات الأكسجين- عن وجود تجار مستغلين "بلا ضمير"، استغلوا جائحة كورونا واقبال الناس على شراء اسطوانات الأكسجين، يعملون على تحويل الأسطوانات المخصصة لـ"لإطفاء الحريق"، لبيعها كإسطوانات أكسجين.
وأضاف لـ"يمن شباب نت": هذا الغش ينطبق فقط على الأسطوانات ذات الأحجام الصغيرة (عبوة 10 لتر تحديدا)، حيث يقومون فقط بطلائها باللون الأزرق، لتغطية اللون الأحمر، ومن ثم بيعها على أنها إسطوانات خاصة بالأكسجين الطبي..!!
وحذر المصدر الطبي التجاري المواطنيين من الوقوع ضحايا لهذا الغش، منوها إلى أن المشكلة أحيانا قد تكون نتيجة تركيب منظمات أكسجين رديئة على الأسطوانات، ما يشكل ضررا على المريض..
أخطاء الاستخدام المنزلي
مع الموجة الثانية من تفشي فيروس كورونا في تعز؛ وفي ظل أرتفاع حالات الوفيات بكوفيد- 19، وتشبع مركز العزل العلاجي بالمصابين، لجأ الناس إلى عزل مصابيهم في منازلهم، ما تسبب في تفاقم أزمة الأكسجين، نظرا للإقبال المتواصل عليها..
لذلك، أصبح منظر الناس وهم يحملون إسطوانات الأكسجين على موتورسيكل، أو منظر إسطوانات محملة على ظهر المركبات والعربات؛ مشاهد مألوفة- من حين إلى آخر- في شوارع المدينة.
وحذر أطباء، تحدثوا لـ"يمن شباب نت"، المواطنيين من أخطاء استخدام الأكسجين على مرضاهم في منازلهم، بدون الرجوع إلى أخصائيين عناية فائقة.
وقال مصدر طبي إن أغلب الناس الذين يستخدمون الأكسجين في المنازل، يتأثرون أكثر، بسبب الإستخدام العشوائي، وغير الخاضع لمعايير السلامة..
وأضاف- بلهجة نصف محلية: "البعض عندهم أهم شيء تشبك له الدبة، ومش عارف أنه له جرعة ونسبة معينه؛ إذا زادت قد تدمر له الرئتين، وإذا نقصت قد لا يستفيد منها شيئا.."
وتابع: كما أن طريقة الإستخدام ومن يشرف عليها، وعلي اختيار نوع الـ"فاس ماسك" المناسب للمريض، وحجم الجرعة، وقياس نسبة نقاوة الأكسجين..الخ، كلها عوامل متداخله قد تضر المرضى.
لا أحد ينجو بعد الأكسجين
قد يكون المصابون، الذين وصلوا إلى أسِرّة مركز العزل العلاجي (المحدودة)، "محظوظين"، كما قد يعتقد كثيرون؛ إلا أن ذلك- وفقا لما توصلنا إليه من نتائج- ليس صحيحا بالضرورة..
"كل الحالات التي أرتبطت بالتنفس الإصطناعي..لم ينجو منها أحد"..!! بهذه الحقيقة المخيفة، والمؤلمة، فاجأنا طبيب متخصص يعمل في أحد مستشفيات المدينة، وله علاقة بمواجهة جائحة كورونا العام الماضي ..!!
في الحقيقة، كان الطبيب- وهو أخصائي عناية فائقة، يتحدث عن معلومات أطَلع عليها عن كثب، خلال مواجهة الموجة الأولى من فيروس كورونا (أي العام 2020). أما الموجة الجديدة، هذا العام (2021)، نفى الطبيب علمه: ما إذا كانت النتيجة نفسها أم لا..!!؛ لكنه رجح أنها لن تختلف، طالما والمشاكل نفسها ما تزال قائمة..!!
وهو ما أكده، بالفعل، مصدر طبي أخر، يعمل حاليا بمركز "شفاك" لمواجهة كورونا، وله ارتباط طبي بمركز العزل العلاجي بالجمهوري، أيضا؛ حيث أكد لـ"يمن شباب نت": إن كل من ارتبطوا بجهاز تنفس صناعي في هذه الموجة الجديدة (الحالية) "توفوا"، مستدركا "هذا حسب علمي حتى الأن على الأقل".
وعندما أردنا التأكد منه بخصوص نتائج العام الفائت، حصلنا منه على تأكيد مشابه لما أكده لنا المصدر السابق (2020)؛ ومع أنه أستثنى "حالتان فقط، كان قد كتب لهما النجاة خلال العام الماضي"، أستدرك: "ومع ذلك فقد توفت إحداهما بعد أسبوع واحد فقط على خروجها"..
وتلك نتيجة، تدعونا إلى أفتراض وجود خلل ما، في مكان ما..!! الأمر الذي يستدعي المزيد من البحث في تفاصيل المشكلة.. غير أن المعلومات في هذا الجانب، تظل شحيحة..!! عدى ما استطعنا الحصول عليه من حقائق، ومؤشرات، وترجيحات، ضمّنّها ثنايا هذا التحقيق.
وغير ما سبق، الإشارة إليه، هناك مشكلة حيوية أخرى، نوه إليها المصدر الطبي (أخصائي العناية الفائقة)؛ تتعلق هذه المشكلة- كما يقول: بندرة الكفاءات الطبية المتخصصة في جانب العناية الفائقة..!!
وضمن حديثه لـ"يمن شباب نت" عن المشاكل الرئيسة في مواجهة الجائحة الفيروسية الشهيرة، أكد المصدر "افتقار مراكز العزل العلاجي، وتعز عموما، لكادر طبي متخصص في هذا الجانب، قادر على التعامل مع أجهزة التنفس الأصطناعي بكفاءة عالية"، مرجعا سبب ذلك، بنسبة كبيرة، إلى "الهجرة الداخلية والخارجية للكوادر والكفاءات المتخصصة، بسبب الحرب والأوضاع المزرية التي نجمت عنها.."، كما نوه أيضا إلى عدم وجود دورات تخصصية مكثفة في هذا الجانب للكادر الموجود حاليا..!!
مركز شفاك لـ"كورونا"
كان مركز "شفاك" لمواجهة فيروس كورونا، التابع لمؤسسة الشيخ حمود سعيد المخلافي، يؤدي دورا بارزا وحيويا، خلال مواجهة الموجة الأولى من الجائحة، لكنه توقف عن العمل، وأغلق قبل نهاية العام 2020..!!
ومؤخرا، قبل نهاية شهر أبريل الفائت، عاد المركز للعمل مجددا، بعد توالي المطالبات الشعبية (معظمها انتشرت على مواقع التواصل الإجتماعي)، بإعادة افتتاحه للمساعدة والتخفيف من خطورة الجائحة، التي وصفت أنها "الأكثر انتشار وفتكا"..
أما سبب إغلاق المركز، طيلة الفترة الماضية من الموجة الثانية لجائحة كورونا، فيعود- بالتأكيد- إلى أزمة الأكسجين، و"عدم توفر مادة الأكسجين" بدرجة رئيسة، كما أكد لنا ذلك مدير المركز الدكتور عبدالمغني المسني.. الذي أوضح لـ"يمن شباب نت" أن "مكتب الصحة في المحافظة، رفض منذ البداية تغذية المركز بمادة الأكسجين اللازمة، التي يحتاجها المركز لمواجهة الفيروس"
واضاف: وحين تمكنا من إيجاد بدائل، وتوفير مادة الأكسجين، دشنا العمل بالمركز مؤخرا، مع أن ذلك يعتبر ضمن مسؤلية الدولة وسلطاتها في المحافظة".
وبحسب المعلومات التي حصلنا عليها، وصلت الخلافات بين إدارة مركز "شفاك" وبين مكتب الصحة الى قيادة السلطة المحلية واللجنة الوطنية العليا لمواجهة وباء كورونا، لتنتهي مؤخرا إلى التزم مكتب الصحة في المحافظة بتوفير 60 إسطوانة يوميا لمركز شفاك.
من جهته، أشار مدير مبادرة الشيخ حمود سعيد المخلافي لمواجهة فيروس كورونا، محمد طاهر، إلى أن المركز "شهد توسعة في قسم العناية والرقود، كما تم إجراء تحديثات على أجهزته"، مستدركا: "غير أن تلك التحديثات تعتمد بالدرجة الرئيسية على توفر مادة الأكسجين"، مضيفا: "وهي المشكلة التي يعاني منها المركز منذ الجائحة الاولى"..!!
أزمة متوسعة
تتصاعد حدة أزمة الاكسجين ويتسع نطاقها. فمدينة التربة- بمديرية الشمايتين جنوب شرقي المحافظة- هي الأخرى يعاني مركز العزل العلاجي فيها من شحة الأكسجين. بحسب مدير مكتب الصحة في المحافظة الدكتور راجح المليكي، الذي شكا لـ"يمن شباب نت" من أن السلطات الصحية بالمحافظة "تواجه الوباء لوحدها، بعد أن تخلت عنها المنظمات وأهملتها الحكومة"..!!
وأوضح المليكي أن هناك ثلاثة مراكز للعزل العلاجي في المحافظة؛ الأول في مركز المحافظة بالمستشفى الجمهوري؛ والثاني بمستشفى خليفة بالتربة (الريف الجنوبي الغربي للمحافظة)؛ والثالث بمستشفى المخاء (الساحل الغربي).
ولم يذكر مدير مكتب الصحة، مركز العزل الموجود في هيئة مستشفى الثورة، والذي خصص فقط للمسؤولين المصابين بالفيروس، لتلقي العلاج. كما أكدت لـ"يمن شباب نت" عدة مصادر متطابقة.
خاتمة
عشرات المواطنين يتوافدون يوميا الى محطات الأكسجين في مستشفى الثورة، ومستشفى التعاون، لتعبئة الاسطوانات الخاصة بهم وأخذها الى منازلهم. ويُعتقد- على نطاق واسع- أن الكثير من حالات الإصابة والوفاة لم تفصح عنها الأُسر. ولذا ما تنشره السلطات الصحية في المحافظة، واللجنة الوطنية العليا لمواجة كورونا، من احصائيات؛ يُعتقد أنها لا تمثل سوى 30% من إجمالي الحالات الحقيقية في المحافظة..!!
ومع ارتفاع أسعار الأكسجين، فُتحت أسواق سوداء لبيع وشراء المادة من التجار، والسماسرة العاملين في طوابير التعبئة. أما المستشفيات الخاصة، فقالت مصادر مطلعة لـ"يمن شباب نت"، إنها أصبحت تغذي مراكز العناية والحاضنات فيها، من خلال الإعتماد على التجار في المدينة بأسعار باهظة..!!
وتبقى أزمة الاكسجين مشكلة تبحث عن حل، في ظل عجز السلطات في المحافظة عن معالجتها؛ رغم الأزمات التي مرت بها، خلال حرب وحصار مليشيا الحوثي على المحافظة وانتشار الأوبئة فيها..؛ التي كان يفترض بها أن تستدعي السلطات المحلية للتفكير ببدائل مناسبة والعمل عليها خلال السنوات الست الماضية..!!
وفي تصريحات سابقة لـ"يمن شباب نت"، أثناء تفشي الموجة الأولى من جائحة كورونا، حذر مدير محطة مستشفى الثورة لإنتاج الأكسجين، من أن المحطة بحاجة إلى تغيير فلاترها، "وما لم يتم ذلك سريعا، فإنها قد تنتج "سموما" بدلًا عن الأكسجين"..!!. لكن مصدرا بالمحطة أفاد "يمن شباب نت" أنه ومع تفشي الموجة الثانية لكورونا وتصاعد أزمة الأكسجين في المحافظة، تم تدارك الموقف، وتبرعت مؤسسة أهلية بعمل صيانة لفلاتر المحطة.
وشهد القطاع الصحي منذ العام 2015، انهيارا متواصلا مع استمرار حرب الحوثيين على المحافظة، واستهداف المنشأت الصحية والطبية. وطالما تحدثت التقارير الأممية عن هشاشة النظام الصحي في اليمن عموما، وفي تعز بشكل خاص، الذي أصبح غير قادر على الصمود أمام أوبئة لم تعد تذكر في معظم الدول؛ كالضنك والكوليرا والإلتهابات الفيروسية المتفشية طوال العام في المحافظة.. ناهيك جائحة كورونا، التي عجزت أعتى، وأفضل، الأنظمة الصحية في العالم عن مواجهته كما يجب.